القصد من إطفاء الأنوار في عائشة العبار آرت غاليري، وتحديداً في أمسية «ليلة النيون» التي نظمها الغاليري لأعمال الفنانة الإماراتية الدكتورة نجاة مكي، ضمن معرضها «أنا أكتب باللون»، تجلى من خلال صناعة فضاء لألوان فسفورية متدرجة بين حدود الأزرق وأبعاد الأخضر وحضور البنفسجي، الشبيه جداً بحالة الحُلم، أسمتها الفنانة نجاة مكي، في حوارها مع «الاتحاد» بمسارات الالتقاء بين عوالم متعددة إلى عالم متفرد يتعايش فيه المتلقي مع العمل الفني، خارج حدود الزمان والمكان، قائلةً: «أريد أن يتوحد المشاهد مع اللوحة، هذه المرة وحده تماماً، دون الآخرين، ويتلمس عمق تجربتنا الفردية أمام أثر اللحظة الآنية التي عايشناها في فترة الأزمة الصحية المتعلقة بـ «كوفيد ـ 19»، في خطوط اللوحات أرسم إيقاع البشر، لمشاعر التوتر والقلق، وتأثير ضربات القلب، وحالة عدم التوازن والاضطراب التي مررنا بها جميعنا، يوازيها محاولة العالم لاكتشاف الدواء، وتخبط الأقاويل في بداية الأزمة، دونما حل جذري، ما جعل الناس تسلم بقدرة إلهية بإمكانها إن تخلصهم من هذا الوباء».
تتعامل الفنانة الدكتورة نجاة مكي مع الألوان الفسفورية منذ 45 سنة، واستخدمتها في أول معرض لها في نادي الوصل في عام 1987، في البداية تضع الألوان على اللوحة، ومن ثم تعرضها عبر إضاءة خاصة، توضح ملامح الألوان، موضحة أنها أحياناً تلاحظ مستوى تجانس الخطوط في العمل الفني، وتبحث عن بواطن الخلل، وتعمل على إعادة توازن العناصر اللونية فيه، باعتباره حالة بناء متكاملة، تعتمد فيها المراحل على بعضها البعض، وأضافت أن عفوية الألوان تعطينا رؤية بصرية، يُكمل الفنان عليها من وحي خياله، من خلال تمازج الألوان، على سطح العمل الفني، وقد يحدث أحياناً تنافر بين الألوان، إلا أن الفنان وخبرته مع الألوان كفيلة بجعله يعرف تماماً متى عليه أن يتوقف.
«كيف نمزج الألوان، ونستوحي منها موضوعات وشخصيات وحكايا، تحتاج منا عمراً من العلاقة الوطيدة والمستمرة مع اللون»، هنا تستمر نجاة مكي، في بيان أبعاد خلق شخصيات إنسانية عبر البقع اللونية، مبينة أن اللون يهدينا أرضية بداية للحكاية، تأتي بعدها خبرة الفنان في إمكانية أن ينتج من هذه العشوائية نوع من الجمال البصري للمتلقي.
وفي سياق الحديث عن الحركة الآسرة داخل فضاءات المعرض، وطبيعة توزيع الأعمال بين الجدران والأرضيات وصولاً إلى عمل فني لشباك الصيد، تؤكد الفنانة د. نجاة مكي ميزة «التنوع» في إنتاج الأعمال الفنية، وكيف أنه بيان بأن العالم مليء بالجماليات في جّل تفاصيلنا، وأينما نلتفت فإننا نجده، فمثلاً أحد الأعمال الفنية الممتدة على الأرض، كأنها سجادة، هي فعلياً ستائر مهملة، كانت سترمى، عملت الفنانة نجاة على الاشتغال عليها وحولتها إلى عمل فني يقف أمامه الجميع ويحترمه، واصفةً نظرة المشاهد بين المستقيمة تجاه لوحة معلقة بالجدار، إلى النظر نحو الأسفل، بلحظة قرب واحترام وتقدير لعظمة الخالق في كيف أنه أهدانا كبشر موهبة إبداعية وجعلنا نفكر فيها ونتطور من خلال تلك القدرة البديعة.
أثناء حديث مكي عن الطبقات المتتالية التي تكونها على جسد اللوحة، وإضافة سطح على آخر، وتأثير ذلك على تشكيل العمل الفني، سردت تأملاتها حول شبكة الصيد المعلقة على طول الغاليري في وسط الأعمال الفنية بمعرضها في عائشة العبار آرت غاليري، حضرت الشبكة بألوان فسفورية كذلك، ووسط العتمة، بدأت تسرد تلك الشباك قصصها، أشارت حولها الفنانة أنها تلك القصص والحكايات المتصلة التي تسردها الأم لأطفالها قبل النوم، في كل شعوب وثقافات العالم، والشبكة المنسوجة في هذا العمل طريق تعبير لا نهائية لتلك المرويات وتلاحمها واستمرار تأثيرها بين الأجيال.
اعتبرت عائشة العبار، صاحبة عائشة العبار آرت غاليري في مدينة دبي، أنه من بعد أزمة «كوفيد ـ 19»، التي عصفت بالعالم، شعرت بأهمية الاطلاع على تجارب الفنانين الإماراتيين والمقيمين على أرض دولة الإمارات، وتمثل البحث في معرض «أنا أكتب باللون» في تلك المعاناة المتفردة التي مررنا بها في تلك الفترة العصيبة ومساعدة العالم على النهوض مجدداً من خلال القوة الجمالية للفنون.